فصل: سورة الشعراء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير السعدي المسمى بـ «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» **


 سورة الشعراء

‏{‏طسم‏}‏ ‏[‏1‏]‏ سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة‏.‏

{‏تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ‏}‏ ‏[‏2‏]‏

هذه آيات القرآن الموضِّح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلال‏.‏

{‏لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏3‏]‏

لعلك ـ أيها الرسول ـ من شدة حرصك على هدايتهم مُهْلِك نفسك ؛ لأنهم لم يصدِّقوا بك ولم يعملوا بهديك ، فلا تفعل ذلك‏.‏

{‏إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ‏}‏ ‏[‏4‏]‏

إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من الماء معجزة مخوِّفة لهم تلجئهم إلى الإيمان ، فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ، ولكننا لم نشأ ذلك‏;‏ فإن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا‏.‏

{‏وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ‏}‏ ‏[‏5‏]‏

وما يجيء هؤلاء المشركين المكذبين مِن ذِكْرٍ من الرحمن مُحْدَث إنزاله ، شيئًا بعد شيء ، يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم بالدين الحق إلا أعرضوا عنه‏,‏ ولم يقبلوه‏.‏

{‏فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ ‏[‏6‏]‏‏.‏

فقد كذَّبوا بالقرآن واستهزؤوا به‏,‏ فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون منه‏,‏ وسيحلُّ بهم العذاب جزاء تمردهم على ربهم‏.‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏}‏ ‏[‏7‏]‏

{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏8‏]‏

{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏9‏]‏

أكذبوا ولم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات‏,‏ لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين‏؟‏ إن في إخراج النبات من الأرض لَدلالة واضحة على كمال قدرة الله‏,‏ وما كان أكثر القوم مؤمنين‏.‏ وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق‏,‏ الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء‏.‏

{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏10‏]‏

{‏قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏11‏]‏

واذكر ـ أيها الرسول ـ لقومك إذ نادى ربك موسى‏:‏ أن ائت القوم الظالمين‏,‏ قوم فرعون، وقل لهم‏:‏ ألا يخافون عقاب الله تعالى، ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلال‏؟‏

{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ‏}‏ ‏[‏12‏]‏

{‏وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ‏}‏ ‏[‏13‏]‏‏.‏

{‏وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ‏}‏ ‏[‏14‏]‏

قال موسى‏:‏ رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة‏,‏ ويملأ صدري الغمُّ لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالدعوة فأرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني‏.‏ ولهم علي ذنب في قتل رجل منهم‏,‏ وهو القبطي‏,‏ فأخاف أن يقتلوني به‏.‏

{‏قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏15‏]‏

{‏فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏16‏]‏

{‏أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏17‏]‏

قال الله لموسى‏:‏ كلَّا لن يقتلوك‏,‏ وقد أجبت طلبك في هارون‏,‏ فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما‏,‏ إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون‏.‏ فأتِيَا فرعون فقولا له‏:‏ إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين‏:‏ أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا‏.‏

{‏قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ‏}‏ ‏[‏18‏]‏

{‏وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏19‏]‏

قال فرعون لموسى ممتنًا عليه‏:‏ ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا، ومكثت في رعايتنا سنين من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجلًا من قومي حين ضربته ودفعته‏,‏ وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين ربوبيتي‏؟‏

{‏قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏20‏]‏

{‏فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏21‏]‏

{‏وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏22‏]‏

قال موسى مجيبًا لفرعون‏:‏ فعلتُ ما ذكرتَ قبل أن يوحي الله إلي‏,‏ ويبعثني رسولًا، فخرجت من بينكم فارًّا إلى ‏"‏مدين‏"‏، لمَّا خفت أن تقتلوني بما فعلتُ من غير عَمْد‏,‏ فوهب لي ربي تفضلًا منه النبوة والعلم‏,‏ وجعلني من المرسلين‏.‏ وتلك التربية في بيتك تَعُدُّها نعمة منك عليَّ، وقد جعلت بني إسرائيل عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم‏؟‏

{‏قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏23‏]‏

قال فرعون لموسى‏:‏ وما رب العالمين الذي تدَّعي أنك رسوله‏؟‏

{‏قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ‏}‏ ‏[‏24‏]‏

قال موسى‏:‏ هو مالك ومدبر السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بذلك، فآمِنوا‏.‏

{‏قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏25‏]‏

قال فرعون لمن حوله مِن أشراف قومه‏:‏ ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي‏؟‏

{‏قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏26‏]‏

قال موسى‏:‏ الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق أباءكم الأولين‏,‏ فكيف تعبدون مَن هو مخلوق مثلكم‏,‏ وله آباء قد فنوا كآبائكم‏؟‏

{‏قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏27‏]‏

قال فرعون لخاصته يستثير غضبهم ؛ لتكذيب موسى إياه‏:‏ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون‏,‏ يتكلم كلامًا لا يُعْقَل‏!‏

{‏قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏28‏]‏

قال موسى‏:‏ رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة‏,‏ وهذا يستوجب الإيمان به وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر‏!‏

{‏قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ‏}‏ ‏[‏29‏]‏

قال فرعون لموسى مهددًا له‏:‏ لئن اتخذت إلهًا غيري لأسجننك مع مَن سجنت‏.‏

{‏قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏30‏]‏

قال موسى‏:‏ أتجعلني من المسجونين‏,‏ ولو جئتك ببرهان قاطع يتبين منه صدقي‏؟‏

{‏قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏[‏31‏]‏

قال فرعون‏:‏ فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك‏.‏

{‏فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏32‏]‏

{‏وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ‏}‏ ‏[‏33‏]‏

فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانًا حقيقيًا‏,‏ ليس تمويهًا كما يفعل السحرة‏,‏ وأخرج يده مِن جيبه فإذا هي بيضاء كالثلج من غير برص، تَبْهَر الناظرين‏.‏

{‏قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏34‏]‏

{‏يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ‏}‏ ‏[‏35‏]‏

قال فرعون لأشراف قومه خشية أن يؤمنوا‏:‏ إن موسى لَساحر ماهر، يريد أن يخرجكم بسحره من أرضكم، فأي شيء تشيرون به في شأنه أتبع رأيكم فيه‏؟‏

{‏قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ‏}‏ ‏[‏36‏]‏

{‏يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏37‏]‏

قال له قومه‏:‏ أخِّر أمر موسى وهارون‏,‏ وأرسِلْ في المدائن جندًا جامعين للسحرة‏,‏ يأتوك بكلِّ مَن أجاد السحر، وتفوَّق في معرفته‏.‏

{‏فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}‏ ‏[‏38‏]‏

{‏وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏39‏]‏

فَجُمع السحرة، وحُدِّد لهم وقت معلوم، هو وقت الضحى من يوم الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون؛ وذلك للاجتماع بموسى‏.‏ وحُثَّ الناس على الاجتماع‏;‏ أملًا في أن تكون الغلبة للسحرة‏.‏

{‏لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ‏}‏ ‏[‏40‏]‏

إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة، فنثبت على ديننا‏.‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ‏}‏ ‏[‏41‏]‏

فلما جاء السحرة فرعون قالوا له‏:‏ أإن لنا لأجرًا مِن مال أو جاه، إنْ كنا نحن الغالبين لموسى‏؟‏

{‏قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏}‏ ‏[‏42‏]‏

قال فرعون‏:‏ نعم لكم عندي ما طلبتم مِن أجر‏,‏ وإنكم حينئذ لمن المقربين لديَّ‏.‏

{‏قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ‏}‏ ‏[‏43‏]‏

قال موسى للسحرة مريدًا إبطال سحرهم وإظهار أن ما جاء به ليس سحرًا‏:‏ ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر‏.‏

‏"‏ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ‏"‏‏[‏44‏]‏

فألقَوا حبالهم وعصيَّهم‏,‏ وخُيِّل للناس أنها حيَّات تسعى‏,‏ وأقسموا بعزة فرعون قائلين‏:‏ إننا لنحن الغالبون‏.‏

{‏فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ‏}‏ ‏[‏45‏]‏

فألقى موسى عصاه‏,‏ فإذا هي حية عظيمة‏,‏ تبتلع ما صدر منهم من إفك وتزوير‏.‏

{‏فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏46‏]‏

{‏قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏47‏]‏

{‏رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏ ‏[‏48‏]‏

فلما شاهدوا ذلك، وعلموا أنه ليس من تمويه السحرة‏,‏ آمنوا بالله وسجدوا له، وقالوا‏:‏ آمنَّا برب العالمين رب موسى وهارون‏.‏

{‏قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏ ‏[‏49‏]‏

قال فرعون للسحرة مستنكرًا‏:‏ آمنتم لموسى بغير إذن مني، وقال موهمًا أنَّ فِعْل موسى سحر‏:‏ إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر، فلسوف تعلمون ما ينزل بكم من عقاب‏:‏ لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف‏:‏ بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو عكس ذلك، ولأصلبنَّكم أجمعين‏.‏

{‏قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ‏}‏ ‏[‏50‏]‏

{‏إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏51‏]‏

قال السحرة لفرعون‏:‏ لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا‏,‏ إنا راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم‏.‏ إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا من الشرك وغيره‏;‏ لكوننا أول المؤمنين في قومك‏.‏

{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ‏}‏ ‏[‏52‏]‏

وأوحى الله إلى موسى عليه السلام‏:‏ أَنْ سِرْ ليلًا بمن آمن من بني إسرائيل؛ لأن فرعون وجنوده متبعوكم حتى لا يدركوكم قبل وصولكم إلى البحر‏.‏

{‏فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ‏}‏ ‏[‏53‏]‏

فأرسل فرعون جنده ـ حين بلغه مسير بني إسرائيل ـ يجمعون جيشه من مدائن مملكته‏.‏

{‏إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ‏}‏ ‏[‏54‏]‏

{‏وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ‏}‏ ‏[‏55‏]‏

{‏وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ‏}‏ ‏[‏56‏]‏

قال فرعون‏:‏ إن بني اسرائيل الذين فرُّوا مع موسى لَطائفة حقيرة قليلة العدد، وإنهم لمالئون صدورنا غيظًا؛ حيث خالفوا ديننا‏,‏ وخرجوا بغير إذننا‏,‏ وإنا لجميع متيقظون مستعدون لهم‏.‏

{‏فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏}‏ ‏[‏57‏]‏

{‏وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ‏}‏ ‏[‏58‏]‏

{‏كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏59‏]‏

فأخرج الله فرعون وقومه من أرض ‏"‏مصر‏"‏ ذات البساتين وعيون الماء وخزائن المال والمنازل الحسان‏.‏ وكما أخرجناهم، جعلنا هذه الديار من بعدهم لبني إسرائيل‏.‏

‏{‏فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ‏}‏ ‏[‏60‏]‏

فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس‏.‏

‏{‏فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ‏}‏ ‏[‏61‏]‏

فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى‏:‏ إنَّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا‏.‏

{‏قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏}‏ ‏[‏62‏]‏

قال موسى لهم‏:‏ كلَّا ليس الأمر كما ذكرتم فلن تُدْرَكوا‏;‏ إن معي ربي بالنصر، سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم‏.‏

{‏فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏63‏]‏

فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب، فانفلق البحر إلى اثني عشر طريقًا بعدد قبائل بني إسرائيل، فكانت كل قطعة انفصلت من البحر كالجبل العظيم‏.‏